responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 153
[سورة النساء (4) : آية 83]
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَوْعًا آخَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْفَاسِدَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا جَاءَهُمُ الْخَبَرُ بِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مِنْ بَابِ الْأَمْنِ أَوْ مِنْ بَابِ الْخَوْفِ أَذَاعُوهُ وَأَفْشُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الضَّرَرِ مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْإِرْجَافَاتِ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْكَذِبِ الْكَثِيرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ فِي جَانِبِ الْأَمْنِ زَادُوا فِيهِ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةً، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الزِّيَادَاتُ أَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً لِلضُّعَفَاءِ فِي صِدْقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَرْوُونَ تِلْكَ الْإِرْجَافَاتِ عَنِ الرَّسُولِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الْخَوْفِ تُشُوِّشَ الْأَمْرُ بِسَبَبِهِ عَلَى ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَقَعُوا عِنْدَهُ فِي الْحَيْرَةِ وَالِاضْطِرَابِ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْإِرْجَافَاتُ سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ الْإِرْجَافَ سَبَبٌ لِتَوْفِيرِ الدَّوَاعِي عَلَى الْبَحْثِ الشَّدِيدِ وَالِاسْتِقْصَاءِ التَّامِّ، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِظُهُورِ الْأَسْرَارِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُوَافِقُ مَصْلَحَةَ الْمَدِينَةِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْعَدَاوَةَ الشَّدِيدَةَ كَانَتْ قَائِمَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي إِعْدَادِ آلَاتِ الْحَرْبِ وَفِي انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ فِيهِ، فَكُلُّ مَا كَانَ أَمْنًا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ كَانَ خَوْفًا لِلْفَرِيقِ الثَّانِي، فَإِنْ وَقَعَ خَبَرُ الْأَمْنِ لِلْمُسْلِمِينَ وَحُصُولُ الْعَسْكَرِ وَآلَاتِ الْحَرْبِ لَهُمْ أَرْجَفَ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ فَوَصَلَ الْخَبَرُ فِي أَسْرَعِ مُدَّةٍ إِلَى الْكُفَّارِ، فَأَخَذُوا فِي التَّحَصُّنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الِاحْتِرَازِ عَنِ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهِمْ، / وَإِنْ وَقَعَ خَبَرُ الْخَوْفِ لِلْمُسْلِمِينَ بَالَغُوا فِي ذَلِكَ، وَزَادُوا فِيهِ وَأَلْقَوُا الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الضَّعَفَةِ وَالْمَسَاكِينِ، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ ذَلِكَ الْإِرْجَافَ كَانَ مَنْشَأً لِلْفِتَنِ وَالْآفَاتِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ذَمَّ اللَّه تِلْكَ الْإِذَاعَةَ وَذَلِكَ التَّشْهِيرَ، وَمَنَعَهُمْ مِنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: أَذَاعَهُ وَأَذَاعَ بِهِ لُغَتَانِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي أُولِي الْأَمْرِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إِلَى ذَوِي الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ مِنْهُمْ. وَالثَّانِي: إِلَى أُمَرَاءِ السَّرَايَا، وَهَؤُلَاءِ رَجَّحُوا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى الْأَوَّلِ، قَالُوا لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ لَهُمْ أَمْرٌ عَلَى الناس، وأهل العلم ليسوا كذلك، إنما الْأُمَرَاءُ هُمُ الْمَوْصُوفُونَ بِأَنَّ لَهُمْ أَمْرًا عَلَى النَّاسِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ إِذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِأَوَامِرِ اللَّه وَنَوَاهِيهِ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ قَبُولُ قَوْلِهِمْ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُسَمَّوْا أُولِي الْأَمْرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التَّوْبَةِ: 122] فَأَوْجَبَ الْحَذَرَ بِإِنْذَارِهِمْ وَأَلْزَمَ الْمُنْذَرِينَ قَبُولَ قَوْلِهِمْ، فَجَازَ لِهَذَا الْمَعْنَى إِطْلَاقُ اسْمِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الِاسْتِنْبَاطُ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِخْرَاجُ يُقَالُ: اسْتَنْبَطَ الْفَقِيهُ إِذَا اسْتَخْرَجَ الْفِقْهَ الْبَاطِنَ بِاجْتِهَادِهِ وَفَهْمِهِ، وَأَصْلُهُ مِنَ النَّبْطِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْبِئْرِ أَوَّلَ مَا تُحْفَرُ، والنبط إنما سموا نبطا لا لِاسْتِنْبَاطِهِمُ الْمَاءَ مِنَ الْأَرْضِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 153
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست